الروائي الروسي فلاديمير سوروكين: أصداء إيفان الرهيب لا تزال تتردد في موسكو
أجرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية مؤخراً هذه المقابلة مع الروائي الروسي فلاديمير سوروكين بمناسبة صدور روايته «ثلج» مترجمة إلى عدة لغات بصورة متزامنة، حيث ألقى الضوء على أهمية هذه الرواية في إبراز أجواء العنف التي تسيطر على آفاق الحياة في روسيا، وتعيد التأكيد على أن روسيا اليوم لا تزال هي نفسها تلك التي أسسها القيصر إيفان الرهيب.
وأشار إلى التراجع المتواصل في حرية الرأي العام في بلاده وافتقار المعارضة لمجال الحركة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحاولات فرض الرقابة على الكتاب والقراء في روسيا الذي يقول إنه كان من المحتم أن تمنى بالفشل. وفيما يلي نص المقابلة:
* تمتلئ بعض رواياتك بالمشاهد العنيفة ويحلق العنف طوال الوقت في آفاقها وعلى سبيل المثال يتعرض البعض للتعذيب بمطارق من الجليد في روايتك «ثلج».
ـ خلال طفولتي نظرت إلى العنف باعتباره نوعاً من القانون الطبيعي. وفي الاتحاد السوفييتي كان الطغيان هو الذي يكفل تماسك كل شيء. كان العنف هو الطاقة الوحشية لبلادنا. وقد ساورني هذا الشعور في وقت جد مبكر يعود إلى أيام الحضانة والسنوات الأولى في المدرسة. وفي وقت لاحق أردت أن أفهم السر في أن الناس يعجزون عن الاستغناء عن العنف. وهو لغز لم أحله حتى اليوم. نعم. إن العنف هو موضوعي الرئيسي.
* كيف تنعكس هذه الطاقة الوحشية على روسيا اليوم؟
ـ العنف يحيا في كل بيروقراطي في روسيا، وعندما تقابل موظفاً صغيراً، فإنه يحرص على أن يجعلك تعرف أنه يعلوك مرتبة، وأنك تعتمد عليه. وذلك ينعكس في عقلية القوة التي تغذي الكرملين، فالإمبراطورية تقتضي على الدوام التضحية من شعبها.
* في رواياتك الأخيرة تصور روسيا شمولية تسيطر عليها مجموعة من رجال الشرطة السرية. وفي أكثر من رواية نجد أن الأحداث تقع في المستقبل لكن هذا المستقبل مماثل للماضي وعلى وجه التحديد في عهد ايفان الرهيب.
ألست ترسم خطوطاً موازية حقاً بين هذا الماضي وبين روسيا اليوم؟
ـ هذه الروايات تدور حقاً حول روسيا اليوم، ومن سوء الطالع أن الطريقة الوحيدة لوصف روسيا اليوم هي باللجوء إلى أدوات السخرية، فنحن لانزال نحيا في البلاد التي أنشأها ايفان الرهيب.
* لقد حكم إيفان الرهيب روسيا في القرن السادس عشر، وقد أعقب الاتحاد السوفييتي النظام القيصري، ثم الديمقراطية في ظل حكم الرئيس بوريس يلتسين والرئيس الحالي فلاديمير بوتين. ألم تكمل روسيا بعد انعتاقها من الماضي؟
ـ لم يتغير شيء عندما يتعلق الأمر بالفاصل بين الشعب والدولة. والدولة تقتضي استعداداً مقدساً من الشعب للتضحية.
*الحاكم المطلق في رواياتك يحمل بعض الشبه من الرئيس فلاديمير بوتين؟
ـ لم يكن هذا قصدي، فالخروج بسخرية من عالم بوتين لن يكون شيئاً مبهجاً. إنني فنان ولست صحافياً، والروايات ليست أعمالاً توثيقية. وفي رواياتي فإنني أبحث عن رد عن السؤال المتعلق بما يميز روسيا عن الديمقراطية الحقيقية.
* ما هو التفسير الذي وجدته؟
ـ يمكن للألمان والفرنسيين والانجليز أن يقول كل منهم: «أنا الدولة». أما أنا فليس بمقدوري ذلك. وفي روسيا فإن الناس في الكرملين هم وحدهم الذين يمكنهم أن يقولوا ذلك. وكل المواطنين الآخرين ليسوا إلا المادة البشرية التي يمكنهم بها أن يفعلوا أي شيء.
* في اللغة الروسية القديمة فإن كلمة «أوبرتشنيك» تعني «المتفرد«. فهل تشعر بأن الفاصل بين القمة والقاع في روسيا لا يمكن تجسيره؟
ـ في بلادنا هناك أناس متفردون يمكن السماح لهم بفعل أي شيء، فهم كهنة التضحية في السلطة. وكل من ليس عضواً في هذه المجموعة ليست له صلة بالدولة. والمرء يمكن أن يكون نقياً كأقصى ما يكون ـ على نحو ما كان رجل الأعمال ميخائيل خودوروفسكي ـ ومع ذلك فإنه يمكن أن يخسر كل شيء في لمحة وينتهي به الأمر في السجن. وحالة خودورفسكي هي حالة مثالية تجسد نظام الطغيان الذي أصفه.
* هل تظهر شخصية مثل خودوروفسكي في كتابك؟
ـ لم يخطر ببالي هذا التوازي. غير أن كتابي يبدأ بهجوم على رجل ثري. وهذا حدث يقع يومياً هذه الأيام. وقد كان الأمر كذلك على الدوام في روسيا. ووحدهم الذين يلتزمون بالولاء لمن هم في السلطة يصبحون أثرياء.
* ما هو رد فعل النخبة على الصور الأدبية التي ترسمها؟
ـ كان رد الفعل على كتابي هائلاً، ولكنني لم يكن أمامي خيار إلا أن أضع هذا على الورق. وقد حملت هذه الأمنية معي وقتاً طويلاً، وهكذا فإن روايتي الأخيرة لم تستغرق عملية كتابتها مني إلا ثلاثة أشهر.
* لماذا تشعر فجأة بالحاجة إلى تأليف مثل هذا الكتاب؟
ـ المواطن يعيش في كل منا. وفي أيام بريجنيف وأندروبوف وجورباتشوف وستالين كنت أحاول على الدوام أن أقمع المواطن المسؤول الكامن في أعماقي. وحدثت نفسي بأنني في نهاية المطاف فنان. وكروائي فقد تأثرت بنفق قطارات موسكو، حيث كان أمراً مألوفاً أن تكون بعيداً عن السياسة.
وقد كانت تلك إحدى نوادرنا المفضلة. فيما كانت القوات الألمانية تشق طريقها إلى باريس، جلس بيكاسو هناك ورسم تفاحة. كان ذلك هو موقفنا. لابد لك من أن تجلس هناك وترسم تفاحتك، بغض النظر عما يحدث حولك. وقد تمسكت بهذا المبدأ حتى بلغت الخمسين من العمر. والآن فإن المواطن الكامن في أعماقي قد دبت فيه الحياة.
* منذ عدة سنوات اتخذت ضدك إجراءات قضائية في دعوى رفعها عليك النائب العام الروسي، واتهمك فيها بتقديم فقرات يفترض أنها خارجة عن قادة سوفييت في روايتك «دهن لحم الخنزير الأزرق». فهل الرقابة بسبيلها إلى العودة مجدداً في روسيا؟
ـ إن ما حدث هو أنه في ذلك الوقت تمت محاولة لاختبار مدى صمود الكتاب ومدى استعداد الرأي العام لقبول الرقابة الصريحة، لكن هذه المحاولة لم يقدر لها أن تكلل بالنجاح.
* هل أخاف الضغط الذي فرض عليك كتاباً آخرين؟
ـ بالطبع، وأنا أشكر ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين على أنه ليس بمقدور الكاتب الروسي أن يكتب أي شيء اليوم، وإنما بإمكانه أن ينشره أيضاً. ولست أدري ما الذي سيحدث في المستقبل. فأجهزة الاعلام ـ التلفزيون، الصحف والمجلات ـ موضوعة اليوم بالفعل تحت سيطرة الدولة في روسيا.
محطات في مسيرة سوروكين
ـ ولد الروائي الروسي فلاديمير سوروكين في 7 أغسطس 1955 في بلدة بايكوفو الصغيرة قرب موسكو. وتخرج عام 1977 من معهد النفط والغاز في موسكو، حيث حصل على بكالوريوس الهندسة، غير أنه سرعان ما تخلى عن عمله في هذا الميدان واشتغل بالفن التشكيلي والأعمال الجرافية، وعلى امتداد السبعينات شارك في العديد من المعارض وصمم أغلفة أكثر من 50 كتابا، وتطورت مساهماته الكتابية في العمل السري في الثمانينات.
ـ في عام 1985 صدرت ست من قصصه في مجلة «أيا» وفي العام نفسه أصدر الناشر الفرنسي «ساينتكس» روايته «الطابور».
ـ أصدر عشر روايات أبرزها «ثلج» و«طريق برو» و«الوليمة»، وله عشر مسرحيات أهمها «الذكرى» و«رحلة دستويفسكي» و«الثقة» وله ستة سيناريوهات أفلام، منها «موسكو» و«فريتز المجنون» و«الشيء». وله البوم صور بالتعاون مع الفنان أوليج كوليج بعنوان «في أعماق روسيا.
ـ كتب سوروكين النص المغنى لأوبرا «أبناء روزنتال» بطلب من مسرح البولشوي في موسكو، وله عشرات القصص الصادرة في مجلات روسية وأجنبية، وترجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة